رمضان فرصة للشباب
صفحة 1 من اصل 1
رمضان فرصة للشباب
الحمد لله الذي جعل شهر رمضان موسماً للأجور والأرباح ،
والصلاة والسلام على نبي الهُدى والفلاح ، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم
السرور والأفراح .. أما بعد
* حديثي إليك – أخي الشاب
– حديث أخ لأخيه ، ومحبٍّ لحبيبه ، وصديق مشفق
ناصح لصديقه ، يريد له الخير ، ويرجوا له الفوز والفلاح .
فأرعني سمعك ، وافتح
لكلماتي قلبك ، ولا تنظر إلى عيب الناصح ، بل انظر فيما يدعوك إليه ، فإن كان خيراً
قبلتَه ، وإن كان غير ذلك فلستُ عليك بوكيل .
* أخي
الحبيب ، ماذا أعددت لنفسك في شهر رمضان ؟ ذلك
الشهر العظيم الذي تُفَتَّح فيه أبواب الجنة ، وتُغَلَّقُ أبواب النار ،
وتُسَلْسًلُ الشياطين ، وفيه يعتِقُ الله عباده الصالحين من النار
.
*
هل عزمت فيه
على التوبة ؟ وهل قررت العودة والأوبة ؟ وهل
نويت التخلص من جميع المعاصي والمنكرات ، وفتح
صفحة جديدة مع ربِّ الأرض والسموات ؟ وهل
خططت لبرنامجك التعبدي اليومي في هذا الشهر ؟
وبماذا ستستقبل أيامه ولياليه ؟
أسئلة لا بد من الإجابة عليها بكل صدق وأمانة
،ومصارحة للنفس في ذلك حتى لا يدخل الشهر ويخرج بلا عبادة ولا طاعة ، وتضيع أيامه
وساعاته هباء منثوراً .
ابدأ
بالتوبة
* أخي الشاب! لست أتهمُك بنصيحتي إياك أن تبدأ بالتوبة ، فالتوبة هي بداية
الطريق ونهايته ، وهي المنزلة التي يفتقر إليها السائرون إلى الله في جميع مراحل
سفرهم وهجرتهم إليه سبحانه .
* فليست التوبة – إذن – من منازل العصاة والمخلِّطين فحسب كما يظن كثير من
الناس فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم – وهو سيد الطائعين وإمام العابدين – (( يا
أيها الناس ! توبوا إلى الله ، فإني أتوب إليه في اليوم مائة مرة )) [رواه
مسلم].
*
ولما أمر
الله عباده بالتوبة ناداهم باسم الإيمان فقال سبحانه : { وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ
جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } [ النور:31] ، ونحن
جميعاً ذوو ذنوب وأخطاء ومخالفات ، فمن منا لا يخطئ ؟ ومن منا لا يُذنب ؟ ومن منا
لا يعصي ؟
* والله سبحانه غفَّار الذنوب ، يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ، ويبسط يده بالنهار
ليتوب مسيء الليل ، ويفرح بتوبة التائبين وندم العصاة والمذنبين ، ولذلك فقد جعل
سبحانه للتوبة باباً من قِبَلِ المغرب عرضُه أربعون سنة ، لا يُغْلِقُه حتى تطلع
الشمس من مغربها ، كما قال الصادق المصدوق .[رواه أحمد والترمذي وقال:حسن صحيح
].
*
والتوبة – أخي الشاب – أمر سهل ميسور ، ليس فيه مشقة ، ولا معاناة عمل ، فهي امتناع
وندم وعزم ؛ امتناع عن الذنوب والمخالفات ، وندم على اقترافها في الماضي ، وعزم على
عدم العودة إليها في المستقبل .
أهمية الوقت
* أخي الشاب ! إذا ندمت على ما فات ، وتركت المخالفات والذنوب في المستقبل
، توجَّب عليك بعد ذلك الاهتمام بعمرك ، وإصلاح وقتك الحاضر الذي بين ما مضى وما
يُستقبل ، فإنك إن أضعته أضَعْتَ سعادتك ونجاتك ، وإن حفظته بما ذكرت نجوت وفُزْتَ
بالراحة واللذة والنعيم .
* قال الإمام ابن الجوزي : رأيت عموم الخلائق يدفعون الزمان دفعاً عجيباً ؛ إن طال الليل فبحديث لا
ينفع ، أو بقراءة كتاب سمر . وإن طال النهار فبالنوم ، وهم في أطراف النهار على نهر
دجلة أو في الأسواق !! فشبهتهم بالمتحدثين في سفينة وهي تجري بهم ، وما عندهم خبر ،
ورأيت النادرين قد فهموا معنى الوجود ، فهم في تعبئة الزاد والتأهب للرحيل .. فالله
الله في مواسم العمل ، والبدار البدار قبل الفوات .
* وقال أيضاً : ينبغي للإنسان أن يعرف شرف
زمانه وقدر وقته ، فلا يضيع منه لحظة في غير قرية ، ويقدم الأفضل فالأفضل من القول
والعمل ، ولتكن نيته في الخير قائمة من غير فتور بما لا يعجز عنه البدن من العمل ،
وقد كان جماعة من السلف يبادرون اللحظات ، فنُقل عن عامر بن عبد قيس أن رجلاً قال
له : كلِّمني ، فقال له : أمسك الشمس !!
* ودخلوا على بعض السلف عند موته وهو يصلي
، فعاتبوه على ذلك فقال : الآن تطوى صحيفتي !!
* فإذا علم الإنسان – وإن بالغ في الجد – أن الموت يقطعه عن العمل ، عمِل في
حياته ما يدوم له أجره بعد موته .
صّوَرٌ من
اجتهاد السلف
* هذه – أخي الشاب
– نماذج مضيئة وصور مشرقة تشير إلى اجتهاد سلفنا
الكرام في عبادة الله تعالى وطاعته ، لعلك إن نظرت فيها أورثك ذلك علوّ الهمة
والإقبال على العبادة :
1- صلى النبي صلى الله عليه
وسلم حتى تفطَّرت قدماه ، فراجعوه في ذلك فقال :
(( أفلا أكون عبداً شكوراً )) [متفق عليه].
2- وكان أبو بكر رضي الله عنه كثير البكاء
وبخاصة في الصلاة وعند قراءة القرآن .
3- وكان في خدِّ عمر رضي الله عنه خطَّان
أسودان من كثرة البكاء .
4- وكان عثمان رضي الله
عنه يختم القرآن في ركعة .
5- وكان علي رضي الله عنه
يبكي في محرابه حتى تَخْضَل لحيته بالدموع ، وكان يقول : يا دنيا غرِّي غيري ، قد
طلَّقتُك ثلاثاً لا رجعة فيه !
6- وكان قتادة يختم القرآن في كل سبع دائماً
وفي رمضان في كل ثلاث ، وفي العشر الأواخر في كل ليلة .
7- وكان سفيان الثوري يبكي
الدم من الخوف !
8- كان سعيد بن المسيب
ملازماً للمسجد ، فلم تَفُتْه صلاة في جماعة
أربعين سنة !!
رمضان فرصة
للشباب
* أخي الشاب !
* إن تجار الدنيا لا يألون جهداً ، ولا يدّخرون وسعاً في
اغتنام أي فرصة ، وسلوك أيِّ سبيل يدرُّ عليهم الربح الكثير ، والمكسب الوفير ،
فلماذا لا تتاجر أنت مع الله ؟ فتسابق إلى الطاعات والأعمال الصالحات ، لتفوز
بالربح الوفير والثواب الجزيل منه سبحانه وتعالى .
* ورمضان – أخي الشاب – من أعظم الفرص التي يجب أن يشمر لها المشمرون ، ويَعُدَّ لها
عُدَّتها المتقون ، ولا يغفل عن اقتناصها المتيقظون ، فهو شهر مغفرة الذنوب ،
والفوز بالجنة ، والعتق من النيران ، لمن سلم قلبه ، واستقامت جوارحه ، ولم
يُضَيَّع وقته فيما يضرّ أو فيما لا يفيد .
* وإليك – أخي الشاب – بعض الأمور التي
تُعينك على اغتنام أوقات هذا الشهر وإعمارها بالأعمال الصالحات :
1- الصيام عبادة وليس عادة :
* قال النبي صلى الله عليه وسلم (( من
صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه )) [ متفق عليه ] ، ومعنى قوله
: (( إيماناً )) أي : إيماناً بالله وبما أعده من الثواب للصائمين . ومعنى قوله :
(( احتساباً )) أي : طلباً لثواب الله ، لم يحمله على ذلك رياء ولا سمعة ، ولا طلب
مال ولا جاه .
2- رمضان نعمة يجب شكرها
:
* تأمل
– أخي الشاب – في الذين أدركهم الموتُ قبل دخول شهر رمضان ، فقد انقطعت أعمالهم
وطُويت صحائفهم ، فلا يستطيعون اكتساب حسنة واحدة ، ولا فعل معروف وإن كان يسيراً
.
* أما
أنت – أخي الشاب – فقد مد الله في عمرك حتى أدركت هذا الشهر العظيم ، وهيَّأك
لاكتساب هذا الثواب وتلك الأجور . وهذا – والله – نعمة كبرى ينبغي شكرها ، والثناء
على الله تعالى بإسدائها .
3- النوم والسهر
:
* أخي
الحبيب ، إذا قضيت نهار رمضان في النوم ، وليله في السهر واللعب ، حُرمت أجر الصيام
والقيام ، وخرجت من الشهر صفر اليدين ، فهي - والله – أيام معدودة ، وليال مشهودة ،
ما تُهل علينا إلا وقد آذنت بانصرام ، فاجتهد فيها – رحمك الله – بالطاعة والعبادة
تفز باللذة والنعيم غداً . وإياك أن يدركك الشهر وأنت في غفلة ، فقد قال النبي صلى
الله عليه وسلم : (( رغم أنف رجل دخل عليه رمضان ، ثم انسلخ قبل أن يغفر له )) [
رواه الترمذي والحاكم وصححه الألباني ] .
4-
تلاوة القرآن :
* رمضان شهر القرآن ، وقد كان السلف إذا دخل رمضان يجتهدون في قراءة القرآن
ويقدمونها على كل عبادة ، حتى رُوي عن بعضهم أنه كان يختم القرآن كل ليلة ، فاجتهد
رحمك الله في تلاوة القرآن في هذا الشهر ، واقرأ بترسُّل وترتيل وتدبر وخشوع ،
والتزم بأحكام التلاوة ما استطعت .
5- قيام
الليل :
*
قيام الليل سنة مؤكدة في غير رمضان ، وهو أشد تأكيداً في رمضان ، وهو صلاة التراويح
التي يصليها الناس في المساجد ، فينبغي الحرص عليها وإتمامها كاملة مع الإمام ، فقد
قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( من قام مع إمامه حتى ينصرف كتب له قيام ليلة ))
[ رواه أهل السنن وقال الترمذي :حديث صحيح ]
6- الصدقة :
* الصدقة في رمضان لها مزية وفضيلة عن غيره من الشهور ، وقد
كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل رمضان أجود بالخير من الريح المرسلة ، فاحرص
على التصدُّق في هذا الشهر والجود بما عندك .
7- تفطير الصائمين :
* واحرص كذلك على تفطير الصائمين ، وإطعام الفقراء والمساكين ،
فقد قال صلى الله عليه وسلم : (( من فطَّر صائماً كان له مثل أجره )) [رواه أحمد
والترمذي وصححه]
8- لزوم المساجد
:
* خير
بقاع الأرض المساجد ، فاحرص على صلاة الجماعة في المساجد ، وانتظار الصلاة بعد
الصلاة ، ولا تدع شيئاً من النوافل ، فإنها تسدُّ خلل الفرائض ، وتوجب محبة الله
تعالى ؛ قال تعالى في الحديث القدسي : (( ولا يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى
أحبه )) [رواه البخاري].
9- العمرة في رمضان
:
*
للعمرة في رمضان فضل كبير ، فقد فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (( عمرة في رمضان
تعدل حجة – أو قال حجة معي )) [ رواه البخاري].
10- العشر الأواخر :
* احرص – أخي الشاب – على أن يكون اجتهادك في العشر الأواخر
أكثر من اجتهادك فيما قبلها ، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر أيقظ
أهله ، وأحيا ليله ، وجدَّ وشدَّ المئزر .[متفق عليه].
11- ليلة القدر :
* تحرَّ ليلة القدر في العشر الأواخر من
رمضان ، وبخاصة في ليالي الوتر منها ، فأحي الليالي بالعبادة من صلاة وقيام وقراءة
قرأن وذكر ودعاء وغير ذلك من الطاعات ، فإن ثواب العبادة في هذه الليلة أفضل من
ثواب العبادة في ألف شهر ليس فيها ليلة القدر .
12- غضُّ البصر :
* غضُّ البصر عبادة قل العمل بها ، فلم لا تحيي هذه الفريضة
العظيمة .
13- الذكر :
* كن ذاكراً لله على كل
حال ، فقد فاز الذاكرون بخيري الدنيا والآخرة .
14- الدعاء :
* الدعاء هو العبادة ، وهو دليلٌ على افتقار العبد إلى ربِّه
وضرورته إليه في كل حال ، وقد سماه الله تعالى عبادة في قوله : { وَقَالَ رَبُّكُمْ
ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي
سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ } [غافر:60]. فأين أنت – أخي الشاب – من عبادة
الدعاء ؟
15- الاعتكاف :
* وهو لزوم المسجد
والانفراد لطاعة الله ، فلا تضيَّع أيام اعتكافك وساعاته في اللغو والكلام في سفاسف
الأمور ، فيكون الذي لم يعتكف أفضل منك !!
16- الطعام والشراب :
* إياك وكثرة الطعام أو الشراب فإنها تؤدي إلى التراخي والفتور
والتكاسل عن العبادة .
17- منكرات يجب
اجتنابها :
* إقلاعك عن التدخين في نهار رمضان دليل على قوة عزيمتك ، فلم لا تمتنع عنه
بالكلية في الليل والنهار ؟!
* إياك وسماع الغناء ، فإنه يفسد القلب ، وينبت فيه الرعونة
وقلة الغيرة .
* اجعل من شهر رمضان فرصة للتخلص من أسرِ مشاهدة المسلسلات والأفلام
والمسابقات والبرامجالتافهة .
* إياك وكثرة المزاح والضحك ، فإنها يورثان قسوة القلب والغفلة
عن ذكر الله .
* لا تصاحب الأشرار الفارغين ، فإنك إن صاحبتهم كنت مثلهم .
* شرُّ بقاع الأرض الأسواق
، فإياك والتواجد فيها لغير حاجة .
* الخلوة والاختلاط بالنساء الأجنبيات من
أكبر أسباب الشرور والفساد والعقوبات العامة ؛ فاحذر من ذلك .
* إياك ومنكرات اللسان ،
فإنها تُضعف ثواب الصيام جداً ، قال صلى الله عليه وسلم : (( من لم يدع قول الزور
والعمل به والجهل ، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه )) [ رواه
البخاري].
وصلى الله
وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
والصلاة والسلام على نبي الهُدى والفلاح ، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم
السرور والأفراح .. أما بعد
* حديثي إليك – أخي الشاب
– حديث أخ لأخيه ، ومحبٍّ لحبيبه ، وصديق مشفق
ناصح لصديقه ، يريد له الخير ، ويرجوا له الفوز والفلاح .
فأرعني سمعك ، وافتح
لكلماتي قلبك ، ولا تنظر إلى عيب الناصح ، بل انظر فيما يدعوك إليه ، فإن كان خيراً
قبلتَه ، وإن كان غير ذلك فلستُ عليك بوكيل .
* أخي
الحبيب ، ماذا أعددت لنفسك في شهر رمضان ؟ ذلك
الشهر العظيم الذي تُفَتَّح فيه أبواب الجنة ، وتُغَلَّقُ أبواب النار ،
وتُسَلْسًلُ الشياطين ، وفيه يعتِقُ الله عباده الصالحين من النار
.
*
هل عزمت فيه
على التوبة ؟ وهل قررت العودة والأوبة ؟ وهل
نويت التخلص من جميع المعاصي والمنكرات ، وفتح
صفحة جديدة مع ربِّ الأرض والسموات ؟ وهل
خططت لبرنامجك التعبدي اليومي في هذا الشهر ؟
وبماذا ستستقبل أيامه ولياليه ؟
أسئلة لا بد من الإجابة عليها بكل صدق وأمانة
،ومصارحة للنفس في ذلك حتى لا يدخل الشهر ويخرج بلا عبادة ولا طاعة ، وتضيع أيامه
وساعاته هباء منثوراً .
ابدأ
بالتوبة
* أخي الشاب! لست أتهمُك بنصيحتي إياك أن تبدأ بالتوبة ، فالتوبة هي بداية
الطريق ونهايته ، وهي المنزلة التي يفتقر إليها السائرون إلى الله في جميع مراحل
سفرهم وهجرتهم إليه سبحانه .
* فليست التوبة – إذن – من منازل العصاة والمخلِّطين فحسب كما يظن كثير من
الناس فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم – وهو سيد الطائعين وإمام العابدين – (( يا
أيها الناس ! توبوا إلى الله ، فإني أتوب إليه في اليوم مائة مرة )) [رواه
مسلم].
*
ولما أمر
الله عباده بالتوبة ناداهم باسم الإيمان فقال سبحانه : { وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ
جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } [ النور:31] ، ونحن
جميعاً ذوو ذنوب وأخطاء ومخالفات ، فمن منا لا يخطئ ؟ ومن منا لا يُذنب ؟ ومن منا
لا يعصي ؟
* والله سبحانه غفَّار الذنوب ، يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ، ويبسط يده بالنهار
ليتوب مسيء الليل ، ويفرح بتوبة التائبين وندم العصاة والمذنبين ، ولذلك فقد جعل
سبحانه للتوبة باباً من قِبَلِ المغرب عرضُه أربعون سنة ، لا يُغْلِقُه حتى تطلع
الشمس من مغربها ، كما قال الصادق المصدوق .[رواه أحمد والترمذي وقال:حسن صحيح
].
*
والتوبة – أخي الشاب – أمر سهل ميسور ، ليس فيه مشقة ، ولا معاناة عمل ، فهي امتناع
وندم وعزم ؛ امتناع عن الذنوب والمخالفات ، وندم على اقترافها في الماضي ، وعزم على
عدم العودة إليها في المستقبل .
أهمية الوقت
* أخي الشاب ! إذا ندمت على ما فات ، وتركت المخالفات والذنوب في المستقبل
، توجَّب عليك بعد ذلك الاهتمام بعمرك ، وإصلاح وقتك الحاضر الذي بين ما مضى وما
يُستقبل ، فإنك إن أضعته أضَعْتَ سعادتك ونجاتك ، وإن حفظته بما ذكرت نجوت وفُزْتَ
بالراحة واللذة والنعيم .
* قال الإمام ابن الجوزي : رأيت عموم الخلائق يدفعون الزمان دفعاً عجيباً ؛ إن طال الليل فبحديث لا
ينفع ، أو بقراءة كتاب سمر . وإن طال النهار فبالنوم ، وهم في أطراف النهار على نهر
دجلة أو في الأسواق !! فشبهتهم بالمتحدثين في سفينة وهي تجري بهم ، وما عندهم خبر ،
ورأيت النادرين قد فهموا معنى الوجود ، فهم في تعبئة الزاد والتأهب للرحيل .. فالله
الله في مواسم العمل ، والبدار البدار قبل الفوات .
* وقال أيضاً : ينبغي للإنسان أن يعرف شرف
زمانه وقدر وقته ، فلا يضيع منه لحظة في غير قرية ، ويقدم الأفضل فالأفضل من القول
والعمل ، ولتكن نيته في الخير قائمة من غير فتور بما لا يعجز عنه البدن من العمل ،
وقد كان جماعة من السلف يبادرون اللحظات ، فنُقل عن عامر بن عبد قيس أن رجلاً قال
له : كلِّمني ، فقال له : أمسك الشمس !!
* ودخلوا على بعض السلف عند موته وهو يصلي
، فعاتبوه على ذلك فقال : الآن تطوى صحيفتي !!
* فإذا علم الإنسان – وإن بالغ في الجد – أن الموت يقطعه عن العمل ، عمِل في
حياته ما يدوم له أجره بعد موته .
صّوَرٌ من
اجتهاد السلف
* هذه – أخي الشاب
– نماذج مضيئة وصور مشرقة تشير إلى اجتهاد سلفنا
الكرام في عبادة الله تعالى وطاعته ، لعلك إن نظرت فيها أورثك ذلك علوّ الهمة
والإقبال على العبادة :
1- صلى النبي صلى الله عليه
وسلم حتى تفطَّرت قدماه ، فراجعوه في ذلك فقال :
(( أفلا أكون عبداً شكوراً )) [متفق عليه].
2- وكان أبو بكر رضي الله عنه كثير البكاء
وبخاصة في الصلاة وعند قراءة القرآن .
3- وكان في خدِّ عمر رضي الله عنه خطَّان
أسودان من كثرة البكاء .
4- وكان عثمان رضي الله
عنه يختم القرآن في ركعة .
5- وكان علي رضي الله عنه
يبكي في محرابه حتى تَخْضَل لحيته بالدموع ، وكان يقول : يا دنيا غرِّي غيري ، قد
طلَّقتُك ثلاثاً لا رجعة فيه !
6- وكان قتادة يختم القرآن في كل سبع دائماً
وفي رمضان في كل ثلاث ، وفي العشر الأواخر في كل ليلة .
7- وكان سفيان الثوري يبكي
الدم من الخوف !
8- كان سعيد بن المسيب
ملازماً للمسجد ، فلم تَفُتْه صلاة في جماعة
أربعين سنة !!
رمضان فرصة
للشباب
* أخي الشاب !
* إن تجار الدنيا لا يألون جهداً ، ولا يدّخرون وسعاً في
اغتنام أي فرصة ، وسلوك أيِّ سبيل يدرُّ عليهم الربح الكثير ، والمكسب الوفير ،
فلماذا لا تتاجر أنت مع الله ؟ فتسابق إلى الطاعات والأعمال الصالحات ، لتفوز
بالربح الوفير والثواب الجزيل منه سبحانه وتعالى .
* ورمضان – أخي الشاب – من أعظم الفرص التي يجب أن يشمر لها المشمرون ، ويَعُدَّ لها
عُدَّتها المتقون ، ولا يغفل عن اقتناصها المتيقظون ، فهو شهر مغفرة الذنوب ،
والفوز بالجنة ، والعتق من النيران ، لمن سلم قلبه ، واستقامت جوارحه ، ولم
يُضَيَّع وقته فيما يضرّ أو فيما لا يفيد .
* وإليك – أخي الشاب – بعض الأمور التي
تُعينك على اغتنام أوقات هذا الشهر وإعمارها بالأعمال الصالحات :
1- الصيام عبادة وليس عادة :
* قال النبي صلى الله عليه وسلم (( من
صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه )) [ متفق عليه ] ، ومعنى قوله
: (( إيماناً )) أي : إيماناً بالله وبما أعده من الثواب للصائمين . ومعنى قوله :
(( احتساباً )) أي : طلباً لثواب الله ، لم يحمله على ذلك رياء ولا سمعة ، ولا طلب
مال ولا جاه .
2- رمضان نعمة يجب شكرها
:
* تأمل
– أخي الشاب – في الذين أدركهم الموتُ قبل دخول شهر رمضان ، فقد انقطعت أعمالهم
وطُويت صحائفهم ، فلا يستطيعون اكتساب حسنة واحدة ، ولا فعل معروف وإن كان يسيراً
.
* أما
أنت – أخي الشاب – فقد مد الله في عمرك حتى أدركت هذا الشهر العظيم ، وهيَّأك
لاكتساب هذا الثواب وتلك الأجور . وهذا – والله – نعمة كبرى ينبغي شكرها ، والثناء
على الله تعالى بإسدائها .
3- النوم والسهر
:
* أخي
الحبيب ، إذا قضيت نهار رمضان في النوم ، وليله في السهر واللعب ، حُرمت أجر الصيام
والقيام ، وخرجت من الشهر صفر اليدين ، فهي - والله – أيام معدودة ، وليال مشهودة ،
ما تُهل علينا إلا وقد آذنت بانصرام ، فاجتهد فيها – رحمك الله – بالطاعة والعبادة
تفز باللذة والنعيم غداً . وإياك أن يدركك الشهر وأنت في غفلة ، فقد قال النبي صلى
الله عليه وسلم : (( رغم أنف رجل دخل عليه رمضان ، ثم انسلخ قبل أن يغفر له )) [
رواه الترمذي والحاكم وصححه الألباني ] .
4-
تلاوة القرآن :
* رمضان شهر القرآن ، وقد كان السلف إذا دخل رمضان يجتهدون في قراءة القرآن
ويقدمونها على كل عبادة ، حتى رُوي عن بعضهم أنه كان يختم القرآن كل ليلة ، فاجتهد
رحمك الله في تلاوة القرآن في هذا الشهر ، واقرأ بترسُّل وترتيل وتدبر وخشوع ،
والتزم بأحكام التلاوة ما استطعت .
5- قيام
الليل :
*
قيام الليل سنة مؤكدة في غير رمضان ، وهو أشد تأكيداً في رمضان ، وهو صلاة التراويح
التي يصليها الناس في المساجد ، فينبغي الحرص عليها وإتمامها كاملة مع الإمام ، فقد
قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( من قام مع إمامه حتى ينصرف كتب له قيام ليلة ))
[ رواه أهل السنن وقال الترمذي :حديث صحيح ]
6- الصدقة :
* الصدقة في رمضان لها مزية وفضيلة عن غيره من الشهور ، وقد
كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل رمضان أجود بالخير من الريح المرسلة ، فاحرص
على التصدُّق في هذا الشهر والجود بما عندك .
7- تفطير الصائمين :
* واحرص كذلك على تفطير الصائمين ، وإطعام الفقراء والمساكين ،
فقد قال صلى الله عليه وسلم : (( من فطَّر صائماً كان له مثل أجره )) [رواه أحمد
والترمذي وصححه]
8- لزوم المساجد
:
* خير
بقاع الأرض المساجد ، فاحرص على صلاة الجماعة في المساجد ، وانتظار الصلاة بعد
الصلاة ، ولا تدع شيئاً من النوافل ، فإنها تسدُّ خلل الفرائض ، وتوجب محبة الله
تعالى ؛ قال تعالى في الحديث القدسي : (( ولا يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى
أحبه )) [رواه البخاري].
9- العمرة في رمضان
:
*
للعمرة في رمضان فضل كبير ، فقد فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (( عمرة في رمضان
تعدل حجة – أو قال حجة معي )) [ رواه البخاري].
10- العشر الأواخر :
* احرص – أخي الشاب – على أن يكون اجتهادك في العشر الأواخر
أكثر من اجتهادك فيما قبلها ، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر أيقظ
أهله ، وأحيا ليله ، وجدَّ وشدَّ المئزر .[متفق عليه].
11- ليلة القدر :
* تحرَّ ليلة القدر في العشر الأواخر من
رمضان ، وبخاصة في ليالي الوتر منها ، فأحي الليالي بالعبادة من صلاة وقيام وقراءة
قرأن وذكر ودعاء وغير ذلك من الطاعات ، فإن ثواب العبادة في هذه الليلة أفضل من
ثواب العبادة في ألف شهر ليس فيها ليلة القدر .
12- غضُّ البصر :
* غضُّ البصر عبادة قل العمل بها ، فلم لا تحيي هذه الفريضة
العظيمة .
13- الذكر :
* كن ذاكراً لله على كل
حال ، فقد فاز الذاكرون بخيري الدنيا والآخرة .
14- الدعاء :
* الدعاء هو العبادة ، وهو دليلٌ على افتقار العبد إلى ربِّه
وضرورته إليه في كل حال ، وقد سماه الله تعالى عبادة في قوله : { وَقَالَ رَبُّكُمْ
ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي
سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ } [غافر:60]. فأين أنت – أخي الشاب – من عبادة
الدعاء ؟
15- الاعتكاف :
* وهو لزوم المسجد
والانفراد لطاعة الله ، فلا تضيَّع أيام اعتكافك وساعاته في اللغو والكلام في سفاسف
الأمور ، فيكون الذي لم يعتكف أفضل منك !!
16- الطعام والشراب :
* إياك وكثرة الطعام أو الشراب فإنها تؤدي إلى التراخي والفتور
والتكاسل عن العبادة .
17- منكرات يجب
اجتنابها :
* إقلاعك عن التدخين في نهار رمضان دليل على قوة عزيمتك ، فلم لا تمتنع عنه
بالكلية في الليل والنهار ؟!
* إياك وسماع الغناء ، فإنه يفسد القلب ، وينبت فيه الرعونة
وقلة الغيرة .
* اجعل من شهر رمضان فرصة للتخلص من أسرِ مشاهدة المسلسلات والأفلام
والمسابقات والبرامجالتافهة .
* إياك وكثرة المزاح والضحك ، فإنها يورثان قسوة القلب والغفلة
عن ذكر الله .
* لا تصاحب الأشرار الفارغين ، فإنك إن صاحبتهم كنت مثلهم .
* شرُّ بقاع الأرض الأسواق
، فإياك والتواجد فيها لغير حاجة .
* الخلوة والاختلاط بالنساء الأجنبيات من
أكبر أسباب الشرور والفساد والعقوبات العامة ؛ فاحذر من ذلك .
* إياك ومنكرات اللسان ،
فإنها تُضعف ثواب الصيام جداً ، قال صلى الله عليه وسلم : (( من لم يدع قول الزور
والعمل به والجهل ، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه )) [ رواه
البخاري].
وصلى الله
وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
abdessamad- عضو نشيط
- عدد الرسائل : 257
تاريخ التسجيل : 07/05/2008
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى