بعض مميزات النمو الديموغرافي الحديث لمدينة أسفي

بالمقارنة مع جارتيها في الشمال و في الجنوب أي الجديدة من جهة و الصويرة من جهة أخرى، تبرز أسفي بمثابة القطب الجهوي الذي لا ينطوي بشكل مطلق تحت النفوذ الحضري للدار البيضاء وكما هو الحال بالنسبة للمدينة الأولى و لا يشكو من العزلة مثل التي تعاني منها المدينة الثانية، فهي تحتل موقعا وسطا بين هاتين الحالتين.

قدر عدد سكان مدينة أسفي حسب إحصاء (1989-1990) بحوالي 263 ألف نسمة ، و تحتل بهذا الدرجة الثامنة من بين كبريات المدن المغربية من حيث حجمها الديموغرافي، فإذا استثنينا من حسابنا التجمعات الحضرية العظمى( الدار البيضاء الرباط فاس مراكش) لم يبق هناك سوى ثلاث مدن أكبر حجما منها وهي مكناس ، طنجة ووجدة. في النصف الجنوبي منى المجال المغربي تعتبر ثاني المدن أهمية بعد مراكش و قبل أكادير مباشرة.

سجلت أسفي ومازالت تسجل أسرع نمو عرفته المدن المغربية الكبرى خلال العقدين الخيرين، فمنذ منتصف الستينيات أضيف اسمها إلى قائمة هذه المدن بعدما تجاوز عدد سكانها 100 ألف نسمة . كانت نسبة التزايد السنوي لهؤلاء السكان مرتفعة جدا ما بين 1960 و 1971 (41.2%) وما زالت قوية إلى يومنا هذا (37.6% ما بين 1971و 1982) بالمقارنة مع المعدل العام للمدن الكبيرة الذي لا يتعدى 32% ، تعتبر مدينة أسفي ، إلى جانب سلا، أكادير و خريبكة من أسرع هذه المدن نموا و تضخما.

منذ الاستقلال إلى اليوم، ازداد عدد سكان هذه المدينة بأكثر من 200 ألف شخصا يرجع للهجرة في هذه الزيادة نصيب مهم يقدر بحوالي 40% وهي نسبة عالية لم تحض بها إلا بعض المدن القلائل نذكر منها على سبيل المثال اكادير، سلا و المحمدية و كلها حالات خاصة نضرا لموقعها الجغرافي و بتاريخها الحضري: الأول لأن بناءها أعيد من جديد بعد الزلزال الذي أصباها في مطلع سنة 1960 و الأخريتان نظرا للدور الخاص الذي تلعبانه في التوسع الحضري للعاصمتين الوطنيتين الرباط و الدار البيضاء .

إذا افترضنا أن نسبة استقطاب المهاجرين هو مقياس يعبر بصدق عن حيوية المدينة و ازدهار نشاطها الاقتصادي، يمكن القول إن مدينة أسفي تعتبر من بين المدن المغربية التي استفادت من ظروف جغرافية و اقتصادية جد إيجابية، فموقعها على الساحل الأطلتني و ابتعادها نسبيا من كبريات مدن الجنوب (الدار البيضاء مراكش اكادير) عاملان أساسيان في منحها (نظريا) مجالا واسعا لبسط نفوذها البشري و الاقتصادي و الإداري . فبالمقارنة مع جارتيها في الشمال و في الجنوب

أي الجديدة من جهة و الصويرة من جهة أخرى، تبرز أسفي بمثابة القطب الجهوي الذي لا ينطوي بشكل مطلق تحت النفوذ الحضري للدار البيضاء وكما هو الحال بالنسبة للمدينة الأولى و لا يشكو من العزلة مثل التي تعاني منها المدينة الثانية، فهي تحتل موقعا وسطا بين هاتين الحالتين مما يؤهلها جغرافيا، لأن نلعب دورا فعالا في تنظيم وهيكلة جزء مهم من الأراضي التي تكون منها ما يسمى بالسهول و الهضاب الأطلنتية الوسطى . هذا فضلا عن كونها تشرف إداريا على إقليم يحتضن ما يناهز نصف مليون نسمة من السكان الريفيين (حسب إحصاء 1982) تكاد الحياة الحضرية تنعدم فيه باستثناء بعض المراكز الصغيرة، أكبرها و أهمها مدينة اليوسفية المعدنية .

و لعل أهم عامل يبرز هذا الدور بشكل أقوى وأدق وهو فعلا هذا النقص الذي تعاني منه المنطقة الخلفية لآسفي في ميدان التمدين حيث لا يتجاوز عدد المراكز الحضرية فيها أربعة (اليوسفية الشماعية جمعة اسحيم و سب جزولة بمجموع 63 ألف نسمة) هذا العدد المتواضع لا يخول لإقليم أسفي سوى 12.5% من السكان الحضريين(باستثناء مدينة أسفي نفسها) و هي نسبة هزيلة بالقياس من المعدل الوطني الذي يفوق 43% (أو 28% إذا استثنينا مدن الدار البيضاء المحمدية و الرباط سلا) حقا، إن هذه الظاهرة تشمل بدرجات متفاوتة نسبيا جميع المناطق الأطلنتية الواقعة بين الدار البيضاء و الصويرة، إلا أنها تمتاز بنوع من الحدة في إقليم أسفي ، و ذلك لأسباب طبيعية (قلة الموارد المائية خصوصا) و البشرية (كثافة مرتفعة للسكان الريفيين) و الاقتصادية (عدم ملائمة الهياكل الزراعية للاقتصاد العصري) التي تعرقل نسبيا و تمركز الحياة الحضرية خارج العاصمة الإقليمية التي بدون شك تستفيد من هذا الوضع لتبسيط نفوذها على تلك المناطق نظرا لقربها الجغرافي ولوظيفتها الصناعية و الإدارية .

محمد الغوات كلية الآداب والعلوم الإنسانية - الرباط

شكرا لك على الموضوع
تحياتي
الحمامة البيضاء

بعض مميزات النمو الديموغرافي الحديث لمدينة أسفي

بعض مميزات النمو الديموغرافي الحديث لمدينة أسفي

رد: بعض مميزات النمو الديموغرافي الحديث لمدينة أسفي